محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، المشهور بلقبه الروحي محيى الدين بن عربي، يعد من أبرز أعلام التصوف الإسلامي، حيث لقّبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين بـ «الشيخ الأكبر»، وهي التسمية التي أطلقت على الطريقة الأكبرية الصوفية المنسوبة إليه. وُلد في مدينة مرسية بالأندلس في شهر رمضان سنة 558 هـ الموافق 1164م، قبل عامين من وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني، ورحل إلى الرفيق الأعلى في دمشق عام 638 هـ/1240م، حيث وُري الثرى في سفح جبل قاسيون.
ينتمي ابن عربي إلى جيل من العلماء الروحيين الأندلسيين، وهو شاعر وفيلسوف تفوقت مؤلفاته على حدود العالم العربي، إذ تجاوزت مجموع أعماله 800 مؤلف، لم يبق منها سوى حوالي 100 مخطوطة فقط. تتسم تعاليمه في علم الكون والأسرار الروحية بأهمية كبرى، امتدت إلى عدة أقطار في العالم الإسلامي.
نال ابن عربي ألقابًا كثيرة من أتباعه؛ منها: «الشيخ الأكبر»، «رئيس المكاشفين»، «البحر الزاخر»، «بحر الحقائق»، «إمام المحققين»، «محيي الدين»، و«سلطان العارفين»، كلها تعبيرات عن مكانته الروحية الفريدة.
ولد في 17 رمضان 558 هـ بمدينة مرسية، وعرف في الأوساط الصوفية والروحية باسم الشيخ الأكبر، كما اعتُبر من الأولياء العظام. على الرغم من جذوره الصوفية، فإن كتاباته حول الأئمة الإثني عشر تحظى بمكانة عالية بين الشيعة، ويحيط بها جدل حول مذهبه الفقهي، حيث ذهب البعض إلى اعتباره من أتباع المذهب الظاهري.
انتشرت تعاليمه سريعًا، إذ لم تقتصر على النخبة بل وصلت إلى عموم طبقات المجتمع، مدفوعة بانتشار المد الصوفي في عصره، وترجمت مؤلفاته إلى الفارسية والتركية والأردية، حيث ألهمت موجة من الشعراء الصوفيين.
ينحدر من عائلة ذات أصول متشابكة؛ فوالده من قبيلة طيء العربية، وأمه أمازيغية. وذكر في كتاباته عمه يحيى الصنهاجي، الذي تخلى عن منصب أمير مدينة تلمسان ليتفرغ للتصوف بعد لقائه شيخًا متصوفًا.
خدم والده علي بن محمد في جيش ابن مردنيش، ثم بعد وفاة الأخير في 1172م، انتقل لخدمة سلطان الموحدين أبو يعقوب يوسف الأول، ما دفع بالعائلة للانتقال من مرسية إلى إشبيلية، حيث نشأ ابن عربي في بلاط الحاكم وتلقى تعليمه العسكري، ثم عمل سكرتيرًا لحاكم إشبيلية، وتزوج من مريم ذات النسب الرفيع.
نشأ محيى الدين في بيئة دينية صلبة، والده كان إمامًا فقيهًا وزاهدًا، وجده قاضيًا من قضاة الأندلس، مما أتاح له التعمق في علوم الدين منذ الصغر. بدأ حفظ القرآن الكريم تحت إشراف أبي بكر بن خلف، وتمكن في سن مبكرة من إتقان القراءات السبع والمعاني الدقيقة للنصوص القرآنية، ثم تلقى علوم الحديث والفقه في حلقات تنقلت بين الأقاليم، حتى استقر في دمشق حيث قضى حياته.
في شبابه، عانى من مرض شديد، وخلال فترة الحمى رأى في المنام قوى شر شريرة تحيط به، فظهر له رجل مشرق الوجه قال إنه «سورة يس»، وهو ما عزز لديه الإيمان بمهمته الروحية ودفعه للسير على درب التصوف بكل ثبات.
تزوج من نظام، ابنة الشيخ أبي شجاع الأصفهاني، التي كانت نموذجًا للكمال الروحي والجمال الأخلاقي، وكانت ركيزة أساسية في ترسيخ حياته الروحية، بينما كان يتلقى تعاليم في مدرسة رمزية غنية بالتأويلات، تأثرت بالفلسفات القديمة كالفيثاغورية والأورفيوسية.
في مقتبل عمره، غاص في عمق الأسرار الروحية، ونال كشفًا وإلهامًا قويًا جعلانه يرى أسرار الكون كأنها تتجلى أمامه، فتشكلت حياته رحلة بحث مستمرة نحو الكمال. شهدت رحلاته الروحية لقاءات مع حكماء العصور القديمة كفيثاغورس وأفلاطون عبر تجليات روحية، مما غذى شغفه بفهم الأديان والمذاهب المختلفة.
في إحدى رؤاه، رأى أمام العرش الإلهي طائرًا أمره بالرحيل إلى الشرق، فبدأ رحلة استغرقت أعوامًا بين غرناطة، مكة، الموصل، القاهرة، دمشق، قونية، أرمينيا، وبغداد، حيث التقى بشيوخ وعلماء صوفيين كبار، واستقر في نهاية المطاف بدمشق، مركزه الأخير الذي قضى فيه سنواته الأخيرة، مؤلفًا ومعلّمًا.
عقيدته تمحورت حول توحيد الله وتنزيهه، نافياً أية شبه شريكة أو وسيط في ملكه، مؤكدًا أن الوجود كله قائم به وهو وحده ذو الوجود الذاتي، متقدسًا عن الحدود والجهات. وعلى الرغم من الجدل حول مذهبه، يبدو أنه بدأ بمذهب الظاهرية ثم انطلق في اجتهاداته الفقهية الخاصة.
من مؤلفاته البارزة:
-
تفسير ابن عربي للقرآن.
-
الفتوحات المكية، مجموعة ضخمة من النصوص الصوفية ذات اللغة الرمزية الغنية، تحقيق دقيق للدكتور عثمان يحيى.
-
فصوص الحكم، الذي أثار الكثير من النقاشات ولا يزال موضوعًا للبحث.
-
ديوان ترجمان الأشواق، مكرّس لمدح نظام الأصفهانية.
-
شجرة الكون، كتاب يعالج الكون ككيان شجرة شاملة.
-
الإعلام بإشارات أهل الإلهام.
-
كتاب اليقين، ناقش فيه مفهوم اليقين الذي حيّر فلاسفة عصره.
-
شطرنج العارفين، من أبرز مؤلفاته التي تعكس العمق الروحي والفلسفي.