هذا الكتاب الثالث ضمن سلسلة إضاءات من التاريخ السياسي اليمني المعاصر، ميدانه المساحة الجغرافية التي حكمتها الدولة الشطرية في شمال البلاد خلال الفترة من 1962 حتى 1970، وهي فترة حافلة بالأحداث الجسام، منذ قيام الثورة التي أطاحت بأسوأ نظام سياسي حكم البلاد عقودًا ممتدة، واعتمد على مقولات دينيّة محرّفة، وبنى حكمه على جدران العزلة وأركان الاستبداد ونشر دياجير الجهل والفقر والمرض والتخلف.
يحاول المؤلف في هذا العمل قراءة مرحلة تاريخية بالغة التعقيد بتشابك أحداثها واشتداد تدخلات دول في التحكم بمسار تلك الأحداث وتأثر رجال ذلك العهد بها، ما أدى إلى تبدل مواقعهم بصورة دراماتيكية من مربع إلى آخر.
يسعى الكتاب لتقديم رواية عن جذور نشأة الحركة الإسلامية الإصلاحية وتكامل نشاطها في شطري البلاد وملابسات تأسيسها وفقًا لوثائق أو شهادات تنشر لأول مرة لعدد من جيل التأسيس.
سيجد القارئ عند مطالعته هذا الكتاب أن ثمة تركيزًا على البدايات لفهم المسارات والمآلات، وسيكتشف أن ثمة فكرة مركزية هيمنت على جيل التأسيس ظلت متحكّمة بالأجيال اللاحقة وهي الارتباط المصيري بالجمهورية باعتبارها الإطار العاصم من السقوط في براثن الردة الوطنية المتمثلة بخرافة الحق الإلهي والتمايز العرقي (السُلالي) والتناحر المذهبي والتمزق الجهوي. ويعمد الكتاب إلى المزج بين السرد التاريخي تأسيسًا ونشأة، وبين التحليل والتفسير استنادًا إلى ظروف وموازين تلك المرحلة التاريخية، ومن ثم فإنه يشدد على أن فهم ملابسات النشأة وتقييم المسار لا يجب أن يخضع إلى معايير الزمن الراهن وظروفه الحالية. كما يهدف إلى تأكيد جملة وقائع وحقائق مرتبطة بديناميكية تفكير القيادات التاريخية لعل منها النزعة التصالحية مع المحيط الداخلي والخارجي والنأي عن (المبادرة) إلى الصدام العنيف مع مختلف القوى مع الحرص على التميز في النشاط الحركي وما يجلبه ذلك من تنازع وتجاذب بل وتصارع سياسي وفكري، ويهدف أيضًا إلى معرفة أسباب اهتمام قادة المرحلة التأسيسية بثلاثية التعليم والدستور والخدمات وعلاقة ذلك بمنظومة الفكرة المركزية التي اعتنقوها منذ نشأة الطليعة في المرحلة الطلابية.
التقييم والتعليقات
لا يوجد هناك تعليقات ...