رواية: رِحلةُ سَجين
حين سقطَ النّظام، لم يتهلّل وجهُ الأرضِ فرحًا، بل ارتجفَتِ الجغرافيا المُمزّقة كأنّها استفاقت على صدى الصّدمة، ووجد النّاسُ أنفسهم على مفترقِ طرق، تتنازعهم جراحُ الماضي الذي أثخنتْه الدماء، وهواجسُ مستقبلٍ مُثقَلٍ بالتحدّيات والمجهول.
في هذا الفراغِ المترامي، ينهض خلدون، الثّائرُ الذي آثر ألّا يُسلّم نفسَه لعبث النسيان، فراح يُنقّبُ في رماد الماضي عن قبسٍ يضيء دروبَ الآتين. لم يُرد أن يكتبَ روايةً عاديّةً تسردُ أحداثًا أو تَصف مشاهد، بل شاء أن يؤطّر رحلةَ صديقه أحمد، ذاك الجسدُ الهامدُ الراكضُ في ذاكرةِ إحدى المقابر الجماعيّة، ليعيد إليه الحياة لا بالحبر وحده، بل بالغوص في أعماق النفوس المكسورة، المطمورة كرامتُها تحت ركام المدن المنهارة، وعبر أجسادٍ قدّمت كلّ شيءٍ في سبيل تغيير واقعٍ استعصى على الفهم.
هي رواية العذابات الصّامتة، والمجازر التي تعجزُ أقلامُ الدنيا ـ لو اجتمعت ـ عن وصف فظاعتها. رواية الطهارة وسط القسوة، حيثُ تتجلّى روح "أحمد" وقد تطهّرت في دهاليز معتقلاتِ الأسد، لترسمَ نورًا في ظلمات سوريا، نورًا لمن لا يزال يبحث عن نفسه بين الأزقّة المعتمة.
لقد شطر نظامُ الأسدين البلادَ شطرين: سجّانٌ وسجين. لكنّ الزمن دائر، والمفارقة العجيبة أنّ السجّان والسجين ـ في لحظةٍ نادرة ـ كليهما يتطلع اليوم إلى العيش معًا، لا لأنّ الجراح اندملت، بل لأنّ الحكاية لم تَعد تحتمل مزيدًا من النزيف.
هذه الرّواية ليست تسجيلًا لتاريخ، بل تأمُّلٌ فلسفيٌّ في عمق الصّراع الإنسانيّ. هي صوتُ النّفس حين تئنّ، وصدى العقل حين يحاول أن يفهم عبث ما كان... ويهيّئ القلب لما قد يكون.
التقييم والتعليقات
لا يوجد هناك تعليقات ...