إن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي كلمة إقرأ، وإن أبرز عتاب ورد فيه لأعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وإن أشد تقريع وتصويب وتوجيه نزل فيه لصحابة رسول الله المعدّلين بنص القرآن والسنة.
لم ينقص النقد والتقريع لصحابة رسول الله من قيمتهم، ولم يحدث تخذيلاً في معاركهم بل صوّب مسارهم حين خضعوا للحق وتجردوا عن حظ نفوسهم دون استعلاء ولا مكابرة، كما لم يقلل العتاب الرباني لمحمد صلى الله عليه وسلم في "عبس وتولى" من عظمة خُلقه ووجوب طاعته واشتراط حبه لدخول الجنة.
لقد رسم القرآن الكريم منهجاً ربانياً في النقد والنصح والتقويم لا يقف عند حدود وهيبة الأفراد والجماعات، ولكنه يتصل مباشرة بالرسالة التي نزلت من السماء، وهو منهج وسلوك يعكس معنى التوحيد، وهو في هذا يتفوّق على كل المناهج والفلسفات والنظريات الأرضية التي تتجمّل بالتجرد والنقد العلمي والموضوعي النزيه.
ومن الملاحظ في قضايا الشأن الاسلامي العام وتجاربه الدعوية والإصلاحية والتغييرية خفوت منهج النقد لدرجة غيابه، فإن ظهر في لباس النقد فيكون مضمونه الإعلاء من شأن الفرد والجماعة على حساب مضمون الرسالة، وهذا مفارقٌ للمنهج القرآني العظيم.
أحاول في هذا الكتاب إلقاء الضوء على قضايا الشأن الاسلامي العام ووضعها تحت مجهر النقد للوصول ما يحقق معنى الأمانة في حمل الرسالة وتمكين الدين وإعزاز الفرد والجماعة.
التقييم والتعليقات
لا يوجد هناك تعليقات ...